كيف نحبّب الفلسفة إلى طلبة البكالوريا

الخوف من الفلسفة:

ارتبطت الفلسفة بالصعوبة  وكذلك بالخوف و على العموم بأفكار سلبية حولها لأسباب كثيرة سوف نتعرف عليها: فكيف يمكن أن نجعل الفلسفة مادة محبوبة في البكالوريا و بعبارة كيف يمكننا أن نتخلص من الخوف اتجاه الفلسفة و نتجاوز العوائق التي أمامنا و الأفكار السلبية التي تكونت بخصوصها.



مفاهيم خاطئة عن الفلسفة:

إن الفلسفة تشير إلى طريقة للوصول إلى الحقيقة و البحث عن المعرفة الحقيقية و عن الحكمة و لا شيء يخيف في ذلك ، فلا ينبغي لأحد أن يتخوف من الحكمة و إدراك الحقيقة .

ارتبطت بدراسة الفلسفة مجموعة أفكار تشكلت و صنفت أحكاما  مسبقة ساهمت بسلبية في علاقة صلبة بها و بكيفية تحصيلها و دراستها و بالتالي حصول طلبة البكالوريا على نتائج ليست جيدة في امتحانها.

إن البعض يعتقد أن الفلسفة مادة انتقائية خاصة بنوع خاص من الطلبة و المهنيين ، ربما ترتبط بالذكاء و مستويات فائقة في الذكاء و تتطلب مجالا واسعا من الاطلاع و سعة في الثقافة  يمكن بفضلها أن تطرق مواضيع الفلسفة و يتم معالجتها و هذا متعسر في رأي البعض على الكثير من الطلبة ذوي الميول العلمية الأخرى و الاهتمامات المختلفة عن أفكارها و مواضيعها. فباعتقادهم أن المجال فيها مغلق ولا سبيل إلى الحصول على علامات مرتفعة أو مقبولة فيها . طالما أن الأمر يحتاج إلى كثير من التعمق.

في المجتمع المحافظ والمتدين ارتبط بدراسة الفلسفة أفكار سلبية من نوع آخر هو الاعتقاد بوجود التضاد و التناقض بين الفلسفة و مواضيعها من جهة و بين الدين الإيمان من جهة أخرى ، فقد ارتبط مفهوم الفلسفة بالسفسطة و السقوط في هاوية الكفر و الإلحاد أو الصراع مع الفكرة الدينية و الأحكام المرتبطة بها.

كيف نتناول الفلسفة:

و هنا ينبغي أن نتعرف على المواضيع التي تطرقها الفلسفة بشكل جيد و الكيفية التي تتم بها من خلال المنهجيات المعتمدة في عرض الأفكار و نقيضها و تعدد الرؤى و حرية الاختيار و إمكانية الالتزام كل صاحب فكرة بفكرته ، بالإضافة إلى أن  مواضيع الفلسفة ليست دائما متعلقة بمواضيع الإيمان أو الدين فهي تشمل مواضيع العلم و البحث و المعرفة و القيم وتورد كل الآراء دون تحيز مسبق و تستعرض المذاهب و المدراس لتنشىء جدال و تعرض الصراع القائم وهي بذلك تعين على التفكير و البحث و النفي لتهذيب الفكرة و تقوية حجمها دون دحضها أو معاداتها.

عندما يتجاوز طالب البكالوريا هذه العوائق و الأحكام المسبقة تتبقى أمامه عوائق التحصيل و الفهم و التعلم و بذل الجهد في تحقيق النجاح في تجاوز كل ذلك و الحصول على علامات جيدة في الفلسفة.

دور أساتذة الفلسفة في تحبيب المادة:

 إن مهمة أساتذة الفلسفة مهمة جدا في تغيير الصورة السلبية المتعلقة بمادتهم و تخصصهم ، وطرقهم في التدريس و تقديم مواضيعها بطرق إبداعية كفيل بتحبيب الفلسفة إلى الطلبة و ترغيبهم في تعلمها و التفوق فيها. 

إن الإبداع في تقديم هذه المادة و الخروج بها عن الإطار الجامد يحقق الاستمتاع لدى الطلاب و الأجيال و يحرك فيهم رغبة في استيعاب مواضيع الفلسفة و الخوض فيها و النشاط في القمم و كتابة المقالات و التدرب على المنهجيات.

إن تجاوز صعوبات و مشكلات الفلسفة يبدأ من تغيير الأفكار حولها من طرف الأولياء أولاد الطلبة ثانيا استبعاد الاعتقاد أن بعدم أهمية المادة و بالتالي عدم أهمية علاماتها ، فهي مادة كيفية المواد يمكن الحصول فيها على العلامات الجيدة و تحسين طرق فهمها و دراستها.

 وهناك الكثير من الأمثلة التي يمكن للأساتذة تقديمها للطلبة و من أوليائهم في حال وجود التواصل و التناقش حول صعوبة المادة أمثلة كثيرة لطلبة تجاوزوا تلك العوائق و تحصلوا علامات جيدة في الامتحانات و خصوصا امتحانات البكالوريا ، و كل أستاذ يمكنه أن يساعد طلبته في ذلك من خلال منهجيته في تقديم درس الفلسفة و من خلال تقييمها و التدرج مع طلبته في دحض تلك المخاوف و إزالة الصعوبات و العوائق شيئا فشيئا.

إرشادات لطلبة البكالوريا:

و من أهم النصائح الموجهة لطلبة البكالوريا بخصوص مادة  الفلسفة الاطلاع على البرنامج الخاص بالبكالوريا في الفلسفة كاملا و منذ البداية، المراجعة التامة للنصوص و الأقوال و التدرب على تسجيل الملاحظات و كتابة الأفكار و المشاركة في الدروس ، هذا الإقبال يكفي لإشعال الرغبة و تقوية العزيمة 

في حال الفشل خلال العام الدراسي لا ينبغي الاستسلام و الرضوخ فالاستمرار و الإصرار مهمان في تجاوز ذلك التحدي و الانتصار فيه، كثيرون أولئك الذين فشلوا في تحقيق درجات جيدة أو حتى متوسطة خلال العام الدراسي في امتحانات الفلسفة، و كل ذلك كان طريقا للتعلم و التطور و التحسين و الاستيعاب الجيد، و تحصلوا في النهاي, على علامة جيدة في الفلسفة في امتحان البكالوريا.

إن الجهد الشخصي لا يمكن أن يعود بالفشل إذا اتبع الطرق الصحيحة و لكل جهد مردود و لكل عمل نتائجه، و كل إصرار و عزيمة تتحقق بفضلها أفضل الثمار ، فلا شيء يضيع عندما يكون بإرادة صادقة و جهد مخلص.


أهم خطوات التحضير لامتحان البكالوريا

   تحقيق النجاح في البكالوريا من أهم الإنجازات التي يحصلّها الطالب باعتبار أن اجتياز هذه المرحلة هو السبيل إلى الدخول إلى الدراسات العليا و التأهل للتخصص و من ثم دخول مجال العمل و اختيار المهنة التي تناسبه.


و النجاح في هذا الاختبار المصيري يرتبط أساسا بالجهد الشخصي للطالب و رغبته في تحقيق هذا الإنجاز و إصراره على تجاوزه.

غير أن هذا الجهد الشخصي يحتاج إلى مجموعة من التوجيهات و الخطوات المساعدة التي تستمر إليها الحاجة حتى في الدراسات العليا .

الوعي بأهمية المرحلة و الامتحان:

إن أول خطوة يتوجب على الطالب أن يخطوها هو تحديد الهدف بثقة و الوعي بأهمية الوصول إلى تحقيقه و العمل على ذلك بكل ما أوتي من قوة وصبر و إصرار ليس فقط بهدف النجاح العادي و إنما برفع تحدي النجاح بتفوق و هو ما يستشعر فيه تحفيزا أكبر و مسؤولية أعظم و بدلك المجهود الأكبر يمكن بها فقط أن يتجاوز الصعاب .

الحضور الدائم للدروس و التركيز:

بعد نصب الهدف و إرادة النجاح و الرغبة الحقيقية في تحقيق التفوق في اختبار البكالوريا تأتي الخطوة الثانية من ضمن الجهد الذي ينبغي أن يبذله و وهو الحضور الدائم للدروس دون تغيب إلا بالعذر القاهر المانع و في هذه الحال ينبغي أن يستدرك ما فاته و يسأل زملائه عن الدروس التي فاته حضورها و يتجنب الثغرات في تحصيلها و فهمها.

إن حضور الدروس ينبغي أن يصحبه الانتباه و التركيز من أجل الفهم الجيد مع القيام بتدوين كل الملاحظات في أوراق فعالة بطريقة تساعد على المراجعة و رفق خريطة أو شكل يساعد العقل على الربط و الاسترجاع .

إعداد خريطة لبرنامج البكالوريا و الإلمام به:

إنه من المهم أن يكون طالب البكالوريا ملما بالبرنامج الذي سيدرسه مطلعا على تفاصيله في كل المواد و ترتيب الدروس، وأن يكون ذلك مدونا لديه في جداول يعدها في أول السنة الدراسية يتتبعها مع تقدم الدروس و ليستطيع أن يميز من خلال نوع الجهد الدراسي الذي يتطلبه كل درس من الفهم و الحفظ و التمارين والتطبيقات المناسبة له.

خطة تنظيم الدراسة و المراجعة:

إن استيعاب كم كبير من الدروس و الإحاطة ببرنامج البكالوريا يتطلب خطوة أخرى مهمة تتمثل في تنظيم الوقت و إنجاز خطط محكمة للمراجعة وفهم كل التفاصيل و إنجاز التمارين و الحفظ و لتجنب الإرهاق و الإجهاد خلال المراجعات و إنجاز الواجبات.

ينبغي إعداد جداول أسبوعية تتوزع فيها المواد وفق فترات نصف اليوم أو تناوب المواد يوما بعد يوم أخذا بعين الاعتبار تكييف المراجعات مع مواعيد الامتحانات و حسب المواد ذات الأهمية في الشعبة التي يدرسها الطالب.

ضرورة الراحة و الاسترخاء:

إن خطط المراجعة و الدراسة تتضمن يوما لتخفيف عبء المراجعة و تصفية الذهن و هو ما يتيح خطوة الرجوع إلى الوراء للالتقاط الأنفاس و اكتشاف نقاط الضعف المحتملة في عملية التحصيل و من ثم استدراكها.

أهمية تنظيم الوقت و الجهد:

إن طرق المراجعة ليست محدودة فبإمكان الطالب اختيار الطريقة المناسبة و المجدية من خلال تجريب العديد منها و تحديد الأفضل منها و الأكثر فعالية.

إلى جانب الجهد الذي يبذله طالب البكالوريا هناك التنظيم في الوقت و العمل الذي ينتهجه فجهد أقل و تنظيم أكبر سيكون له نتائجه الرائعة.

اختيار الزمان و المكان و الظروف المساعدة:

إن العمل في ظروف مناسبة ومريحة من حيث المكان و الزمان ، هو عامل مساعد و مؤثر بشكل كبير في عملية المراجعة ، فالبيئة الهادئة تتيح التركيز و الاستمرار و الارتياح لبدل جهد أكبر .

لا ينبغي إهمال فترات للراحة و الترفيه و الاسترجاع النفسي و البدني من خلال مشاهدة فيلم أو القيام بزيارات أو خرجات و لقاء الأصدقاء و الاسترخاء الذي بفضله يستعيد الطالب قدراته لانطلاقة جديدة.

النوم الكافي و الغذاء الصحي:

ولا تخفى الأهمية القصوى في التمتع بأسلوب حياة صحي ، فالصحة هي الأساس الضروري لكل عمل و لتحقيق أي هدف و طالب البكالوريا ينبغي أن يتمتع بفترات نوم كافية و غذاء صحي و ممارسة الرياضة و كل هده العناصر لها مردودها الفعال على التحصيل و الدراسة.

فائدة الدراسة ضمن فريق:

إن من الطرق المتّبعة في المراجعات طريقة العمل في فريق، إذ هناك من الطلبة من لا يستطيع العمل بمفرده إما بسبب الملل الذي يسطر عليه أثناء العمل أو بسبب الحاجة إلى بعض المساعدة في استيعاب بعض المفاهيم و الطرائق المتعلقة بالدراسة و الفهم.

و هنا ينبغي اختيار فريق جاد متكامل يوفر ظروفا مريحة و يشكل دعما حقيقيا للمواصلة و تحقيق النجاح ، و بعث روح الحماسة و المنافسة في جو من التعاون و التآزر.

عدم الانقطاع عن الأصدقاء:

إن الحاجة إلى الأصدقاء ستكون ضرورية خلال عام البكالوريا ، بالنظر إلى أهمية التحدث إليهم و الاستفادة من خبراتهم و الإحاطة بتفاصيل الدروس ، المعلمات المتعلقة بامتحانات البكالوريا و المنميات و الفوائد التي يحصلونها من خلال جهودهم الفردية الخاصة و خبراتهم.

الاستفادة من الأساتذة:

ينبغي على الطالب أن يتواصل مع أساتذته و أن يستثمر العلاقة معهم لتحصيل المساعدة منهم ،مع إظهار اهتمامك بعملك وسعيك للنجاح و التفوق و هو ما سيدفعهم لبذل الجهد لتقديم الفائدة و يد العون.

الاستئناس بالوالدين و الأسرة و دعمهم:

كما يجب أن يتواصل الطالب في مرحلة البكالوريا مع والديه و يحدثهم و بأنس إلى جانبهم مستمدا الدعم المعنوي و التشجيع و الاطمئنان بوجود السند المرافق الذي يستند على رعايته حتى تحقيق الطالب أهدافه...

و أولا و أخيرا تتحقق الأهداف بالإرادة القوية والإصرار والتوكل على الله و طلب عونه و تحسين العلاقة معه و أداء الواجبات و التقرب إليه استمدادا للقوة ة الإيمان و العون. 


الكفاية اللغوية والكفاية التخاطبية


د.محمد محمد يونس علي


يقصد بمصطلح "الكفاية" competence في الدراسات اللسانية التمكن
من اللغة والقدرة على استعمالها، وقد ارتبط هذا المصطلح باللساني المشهور نوام تشومسكي ضمن ثنائيته المشهورة "الكفاية والأداء". والفرق بين المصطلحين يبدو في أن الأول يطلق على القدرة الكامنة في ذهن متكلم اللغة على إنتاج عدد غير محدود من جمل اللغة، وفهمها، وهذا لا يتأتّى إلا إذا اشتمل الذهن على نظام من
القواعد (تشمل القواعد الصوتية، والصرفية والمعجمية، ومسردا من المفردات اللغوية يسمى "المعجم"). ويمكن اختبار هذه الكفاية اللغوية بمدى قدرة المتكلم على اكتشاف الأخطاء على المستويات اللغوية المختلفة (الصوتية والصرفية والنحوية والمعجمية)؛ واكتشاف مواطن اللبس في الجمل اللغوية: فكلما زادت قدرته على اكتشاف الأخطاء، والتمييز بين المعاني المتعددة دلّ ذلك على تمكنه من اللغة. أما الأداء performance فهو التحقق الفعلي للكفاية عند التخاطب باللغة. وبناء على ذلك، فإن كل أداء يستلزم انتقالا من حيّز الوجود بالقوّة إلى حيّز الوجود بالفعل بحسب المصطلحات المنطقية، أي إخراج الكامن إلى الوجود الحسي الفعلي، وتحققه تحققا عمليا.

وتستدعي ثنائية الكفاية والأداء إلى الذهن عادة ثنائية فردناند دو سوسير المعروفة بـ "اللغة langue، والكلام parole". فاللغة هي نظام من العلامات المتواضع عليها اعتباطا، ويستخدمها الفرد للتعبير عن أغراضه، والتواصل مع الآخرين. أما الكلام فهو التحقق الفعلي لتلك العلامات عند عملية التخاطب. فاللغة إذن ظاهرة اجتماعية مشتركة بين أفراد المجتمع اللغوي، في حين أن الكلام نشاط فردي. ولاشك أن لهذا التمييز بين اللغة والكلام أهمية كبيرة في الدراسات اللغوية؛ لأنه يعين على بناء تصوّر منهجي لحقيقتين مختلفتين تتعلقان باللغة. وتبدو أهمية هذا التمييز -على سبيل المثال- في أن الإلمام به يُجنبنا الاعتقاد الزائف بوجود لغة أبلغ من أخرى؛ لأن المدرك لهذا الفرق يعلم أن البلاغة (ومثلها الفصاحة) مسألة فردية، تتعلق بالكلام، وليس باللغة، وهذا يعني أنه في كل مجتمع لغوي متكلمون بلغاء، وآخرون دون ذلك. وليس للغة صلة مباشرة بالبلاغة والفصاحة، بل هي مسألة كلامية، ومثلما لايمكن أن نحسب أخطاء العازفين على السمفونية –كما يذكر دوسوسور-، فكذلك لا يمكن عزو تقصير (أو إتقان) المتكلمين على اللغة نفسها. ومن مزايا هذا التمييز أيضا أنه يمكّننا من التفريق بين معاني الجمل (التي تنتمي إلى اللغة)، ومعاني القولات (المنتمية إلى الكلام)؛ وذلك لأن ما تعنيه كلمات اللغة وجملها ليس بالضرورة مطابقا لمقاصد قولات المتكلمين. ولعلّ ما يبدو لنا من فرق بين المعنى الأصلي والمعنى المقصود في التعبيرات المجازية ما يؤكد أهمية التفريق بين اللغة والكلام. وهكذا يتضح لنا أن الجمل والمعاني مرتبطة باللغة، والقولات utterances والمرادات (أو المقاصد) متعلقة بالكلام.
وقد عرف علماء أصول الفقه الإسلامي ثنائية مشابهة لثنائيتي تشومسكي ودو سوسور المذكورتين هي ثنائية "الوضع والاستعمال". فالوضع هو عزو معنى للفظ يدل عليه، والاستعمال هو إطلاق اللفظ وإرادة المعنى الوضعي الأصلي أو معنى آخر مقترن بقرينة للدلالة عليه. فالوضع –إذن- عملية سابقة زمنيا وافتراضيا على الاستعمال، وهي من شؤون أهل اللغة، أما الاستعمال فهو عمل يقوم به المخاطِب. والوضع قد يكون فرديا جزئيا كما في تحديد معنى كلمة بعينها في اللغة، نحو أسد في دلالتها على الحيوان المفترس المعروف، وقد يكون عاما كليا يتعلق بصوغ قاعدة كلية أو بناء نمط عام لتركيب ما. وفي كل الأحوال فإن متكلم اللغة محكوم بمواضعات لغوية سابقة، وضوابط ومبادئ استعمالية تعينه على أداء عملية التخاطب بنجاح.
لاشك أن ثمة فروقا واضحة بين الثنائيات الثلاث: "الكفاية والأداء"، و"اللغة والكلام" و"الوضع والاستعمال"، منها مثلا
1- أن الكفاية مفهوم يرتبط برأي تشومسكي أن كل البنى النحوية، والمفهومية التي تجسد المعرفة اللغوية للبالغين موجودة في الأذهان منذ الولادة، كما يرتبط أيضا بفكرة تشومسكي للغة على أنها "طائفة من الجمل (المتناهية، أو غير المتناهية)، كل جملة متناهية في طولها، ومركبة من مجموعة متناهية من العناصر"( Chomsky, 1957: 13.).
وتؤول ظاهرة اللاتناهي infinity إلى القول بأن ما يحمله المتكلم في ذهنه من الجمل الممكنة أكثر بكثير من القولات التي قيلت بالفعل. وهذا يعني أن المهم في اللغة إنما هو الجانب الإبداعي غير المحدود لمعرفة المتكلم السليقي للغته. كما يعني أيضا أن الكفاية اللغوية هي التمكن من تطبيق ما يسميه تشومسكي "القواعد العمومية" التي يزود بها الإنسان بالفطرة على جمل لغة بعينها، مع مراعاة ما تقتضيه مواضعات تلك اللغة. أما اللغة عند دو سوسور فهي خزانة من المعجم والقواعد المنظمة الموجودة وجودا كامنا على نحو مستقل. ولذلك فإن عناية اللسانيين ينبغي أن تتوجه إلى ما هو موجود بالفعل وليس إلى القدرات الكامنة للمتكلمين.
2- أن الوضع عند الأصوليين لا يعادل اللغة ولكنه يرتبط بها ارتباطا وثيقا؛ لأن اللغة إنما هي نتاج لعمليات متوالية من المواضعات اللغوية (المعجمية منها والقواعدية).
3- أن الأداء عند تشومسكي والاستعمال عند الأصوليين يعبران عن الحدث في حين يقصد بالكلام عند دو سوسور نتاج الحدث، (أي أنه بتعبير النحاة من باب إطلاق اسم المصدر، وإرادة اسم المفعول).
أما البراغماتيون pragmatists فيعنون بعملية الاستعمال عناية كبيرة، بل إن كلمة pragmatics نفسها تعني "علم الاستعمال. ولذا فإن الكثير منهم يرى أن التخاطب عملية لا تخلو من إخبار، أو استفهام، أو تسمية، أو نحو ذلك مما يسمونه بأفعال الكلام speech acts . وبذلك يتطور المفهوم الجامد للكلام –كما شرحه دو سوسور – إلى عمل إيجابي يأخذ طابع الاستعمال، وهو أمر يتيح إقحام مصطلحات ديناميكية أخرى تحل محل نظائرها الجامدة في تراث دو سوسور ربما كان من أهمها استخدام مصطلح القصد intention بدلا من المعنى meaning. وأصبح موضوع الدراسة تحليل المحادثة conversation والنص بدلا من الجملة، وأضحى اللسانيون يبحثون في مبادئ (أو أصول) التخاطب principles of communication لبلوغ كنه مراد المتكلم بدلا من الاقتصار على البنى اللغوية المجردة.
وعلى الرغم من وجود تلك الفروق بين الثنائيات الثلاث: "الكفاية والأداء"، و"اللغة والكلام" و"الوضع والاستعمال" فإن الجامع بينها هو إجماعها على التمييز بين مستويين مختلفين من الوجود اللغوي: مستوى وضعي اجتماعي كامن في أذهان المجتمع اللغوي عامة، ومستوى استعمالي فردي متحقق في المقام التخاطبي.
لقد انتقدت كل ثنائية من الثنائيات الثلاث السابقة من لدن أولئك الذين يذهبون إلى أن المواضعات اللغوية لا تتم على نحو انعزالي تجريدي خارج المقامات التخاطبية، ومن هذه الانتقادات صعوبة عزو بعض السمات التخاطبية (كالمجاز، والتنغيم، ونحوها) إلى أي من هذه الثنائيات، وقد تكون الإجابة عن هذه الانتقادات أن تلك السمات تتعلق جزئيا باللغة، وتنتمي جزئيا إلى الكلام أو الاستعمال. فبينما تكون الأنماط، والمناويل والقوالب التجريدية محكومة باللغة، ترتبط تحققات تلك الأنماط المتمثلة في القولات الفعلية إلى الكلام.
وعلى أي حال، فإن ثمة شعورا متناميا بين اللسانيين والمهتمين بالتخاطب إجمالا، ولاسيما البراغماتيين منهم بأن الكفاية اللغوية وحدها ليست كافية لنجاح عمليات التفاهم اللغوي، بل لابد من وجود الكفاية التخاطبية، التي تشمل
1- معرفة المواضعات اللغوية (المعجمية منها والقواعديّة).
2- قدرة المتخاطبين على الاستنتاج المنطقي المرتبط بسمات اللغة.
3- معرفة المتخاطبين بأصول التخاطب.
ويعد كل عنصر من هذه العناصر الثلاثة مصدرا ومفسرّا لنوع أو أكثر من أنواع المعنى، فالمواضعات اللغوية يستنبط منها المعنى الوضعي، كما أن لها صلات (متفاوتة القوة) باستنباط المعاني الأخرى. والاستنتاجات المنطقية ترتبط بالمعاني المنطقية، كالتضمن، والافتراض. وأصول التخاطب (أو مبادئ التعاون كما يسميها بول قرايس) تعين على استنباط المفاهيم التخاطبية، مثل مفهوم المخالفة عند الأصوليين.
فعندما تصدر الجامعة لائحة تقول: "يجوز للطلاب الخريجين في هذا الفصل أن يستعيروا أربعة كتب"، فقد ألزمت الجامعة نفسها بإعطاء الإذن لمن سيتخرج من الطلاب في هذا الفصل أن يستعير أربعة كتب، وهذا المعنى مفهوم من منطوق الكلام، ومستنبط من معاني العناصر المعجمية، والقواعدية (الصوتية والصرفية والنحوية) التي تضمنتها الجملة، بيد أن هذا المعنى ليس هو المعنى الوحيد المستمد من هذه الجملة، بل يمكننا أيضا أن نستنتج عددا من المعاني الأخرى، منها:
(1) أن لدى الجامعة طلابا خريجين في هذا الفصل.
(2) أن لدى الجامعة بشرا.
(3) أنه لا يجوز لغير الخريجين استعارة أربعة كتب.
(4) أنه لا يجوز للخريجين استعارة أكثر من أربعة كتب.
فالمعنى (1) ليس من منطوق الكلام، بل يفهم من الافتراض، وهو معنى يستنتج استنتاجا منطقيا (وإن كانت له جوانب أخرى ثقافية أحيانا)، وهو معنى قطعي، ولذا لا يجوز إبطاله دون الوقوع في تناقض: إذ لا يجوز أن يقال في لائحة الجامعة المذكورة "ليس لدينا طلاب خريجون في هذا الفصل" أو "لن يتخرج أحد في هذا الفصل" إلا بالوقوع في تناقض مع ما سبق. ومن هذا النوع من المعنى قولك: خرج الأستاذ من الفصل" الذي يفترض دخوله فيه، و"تاب صديقي عن الكذب" الذي يفترض أنه كان يكذب، و"أوقف أخي قيده في الجامعة" الذي يفترض أنه كان مسجلا فيها. وكما سبق أن أشرنا، فإن كل هذه الافتراضات هي من قبيل المعاني المنطقية التي تحتاج إلى قدرات استنتاجية لايمكن بدونها حصول التفاهم؛ ولذا فإن التمكن منها مندرج ضمن "الكفاية التخاطبية".
أما المعنى المنصوص عليه في (2) فهو من قبيل التضمن، وهو أيضا معنى منطقي قطعي لايمكن إلغاؤه إلا بالوقوع في التناقض، ولذلك لا يجوز أن يقال: "ليس لدينا بشر في الجامعة"؛ لأن كلمة "طالب" تتضمن معنى "بشر"، وكلما أثبتت كلمة "طالب" فهم منها معنى "بشر"، كما أن أي نفي للبشرية يتضمن نفي صفة "طالب".
وأما المعنيان (3) و(4) فمن قبيل المفاهيم الخِطابية، أو "التخاطبية"، التي تفهم من أصول التخاطب، وتتسم هذه المعاني بقبولها الإلغاء؛ وذلك لضعفها وظنيتها، ولذا يجوز إلغاؤها بأن يقال مثلا "كما يجوز لغيرهم أيضا"، و" بل يجوز للخريجين استعارة أكثر من أربعة كتب" دون الوقوع في تناقض. ويستنبط هذا النوع من المعنى بالاعتماد على ما يعرف بمبدأ الكم (وهو هو أصل من أصول التخاطب، ومبدأ من مبادئ التعاون)، الذي يفترض أن المتكلمين يتكلمون على قدر الحاجة، دون زبادة، أو نقصان، ومن ثمّ فيتوقع من المخاطب الذي قرأ ما سبق من لائحة الجامعة أن يفكر على النحو الآتي:
لوكان المقصود أن كل طلاب الجامعة يحق لهم استعارة أربعة كتب، لقيل "يجوز للطلاب هذا الفصل أن يستعيروا أربعة كتب"، ولكن لمّا قيّدت كلمة "الطلاب" بالخريجين، فهم من هذا القيد أن المسكوت عنهم "وهم غير الخريجين" لهم حكم مخالف، وهو أنهم لا يحق لهم استعارة أربعة كتب، ومن هنا جاءت تسمية الأصوليين لهذا المعنى بمفهوم المخالفة.
وأخيرا يمكن أن نلخص ما سبق بالقول بأن التخاطب الناجح لا يكتمل إلا بوجود نوعين من الكفاية: الكفاية اللغوية والكفاية التخاطبية، وأي اختبار يقيس قدرات الممتحن لابد أن يتضمن أسئلة تختبر تمكنه من معرفة قدر كاف من معجم اللغة وقواعدها، فضلا عن قدراته الاستنتاجية والتخاطبية.

مسابقة التوظيف على أساس الشهــادة:

 مسابقة التوظيف على أساس الشهــادة:



يتم دراسة الملف الخاص بالمترشح وتمنح نقطة معينة لكل من :
1- الشهادة التي يملكها.
2-الخبرة المهنية.
3-معدل المترشح أثناء دراسته للحصول على الشهادة التي يملكها.
4-أقدمية الشهادة التي يملكها
و إضافة إلى هذا يتم تخصيص 3 أو 4 نقاط من 20 نقطة للمقابلة الشفهية التي تجريها لجنة متخصصة مع المترشحين.

كيفية حساب معدل النجاح في المسابقة على أساس الشهادة:

من خلال دراسة الملف فقط:
- من(0 إل 2 نقطتين) : حسب تطابق الشهادة مع متطلبات الرتبة (0.5 - 1 - 1.5 - 2):
( معدل من 10ــ 11ويقل تعطى لك نصف نقطة/ معدل من 11 ــ ويقل 12 نقطة واحدة/ معدل من 12 - ويقل 13 نقطة ونصف/ معدل من 13- ويقل 14 نقطتان / معدل من 14 - ويقل 15 نقطتان ونصف / معدل يساوي أويفوق 15 ثلاثة نقاط)
- مسار الدراسة والتكوين معدل السنة الأخيرة من (0.5 إلى 3 نقاط).
- دراسات مكملة للشهادة: تعطى لك نقطتان -نصف نقطة عن كل سداسي في حدود نقطتين.
- أقدمية الشهادة تاريخ الحصول على الشهادة كل سنة تعطى لك 0.25 في حدود نقطتين.
- الخبرة المهنية " شهادة عمل "
- إن وجدت في قطاع التعليم كل سنة نقطة في حدود 06 نقاط .
- أما خارج قطاع التعليم نقطة عن كل سنة في حدود 4 نقاط .
- في حين يتم تنقيط الخبرة المهنية في منصب شغل أدنى من المنصب المراد شغله فتحسب 0.5 أي نصف نقطة عن كل سنة في حدود نقطتين فقط.
- المقابلة الشفوية مع اللجنة يراعى فيها الهندام والنظر والاجابة السليمة و…. تعطى لك من (من 0 إلى 3 نقاط).
وفي حال تساوي المترشحين في النقاط يتم الفصل حسب أولوية ذوي حقوق الشهيد ''ابن أو ابنة شهيد'' والأصناف ذات الاحتياجات الخاصة ''المعاقين الذين لهم القدرة على أداء المهام المرتبطة بالرتبة المراد الالتحاق بها''. كما يؤخذ بعين الاعتبار سن المترشح ''الأكبر سنا'' والوضعية العائلية للمترشح ''متزوج له أولاد، متزوج بدون أولاد، متكفل بعائلة، أعزب''.

استمارة المعلومات للمشاركة في المسابقة:



هل مات غوتة مسلما ؟؟

صالح سلامة

تكتسي علاقة أي مفكر أو أديب غربي كبير بالإسلام، سلباً أو إيجاباً، أهمية استثنائية في تناول سيرته وأعماله من قبل الثقافتين الغربية والشرقية. ومازالت زوبعة جائزة نوبل الأخيرة ساخنة، مثلاً، وما قيل عن شاعر فرنسا المدهش رامبو الذي كان والده يعلم القرآن لأطفال اليمن ومن ثم مات هو هناك وهو يردد كلماته الأخيرة بالعربية:" الله كريم.. الله كريم". ومنذ زمن بعيد ونحن نسمع طروحات وتأويلات مختلفة عن علاقة أديب ألمانيا الكبير غوته بالإسلام. وقد تفجرت هذه القضية مؤخراً بحيث صدر عنها أكثر من كتاب في ألمانيا. ولكي نلم بالمستجد في هذا الشأن فسوف نستعرض مادتين إحداهما كتبها ناصر جبارة من برلين وأخرى وزعتها وكالة الأنباء الكويتية على بقية وكالات الأنباء.

لم يكن الأديب الألماني الأشهر يوهان فولفانغ غوته شاعراً وحسب، بل مؤلفاً مسرحياً وروائياً وعالماً. وكما تقول د. هيلدغارد شتاوسبرغ المحررة في الصحيفة الألمانية المرموقة " فرانكفورتر.." ورئيسة تحرير برامج إذاعة "صوت ألمانيا": في حياته المديدة تعلم غوته وعلم كثيراً، وعاش اشكاليات الإبداع والسلطة والمجد والحب والسعادة والألم، وتماهت هذه يتلك حتى ليتساءل المرء؛ هل كتب غوته أشعاراً أم أن حياته قد كانت قصيدة طويلة؟. وهل صاغ النصوص المسرحية أم كانت حياته دراما حافلة بالقضايا والشخصيات والأحداث؟. ويعتبر غوته من أهم أدباء ألمانيا قاطبة فهو من الذين لعبوا دوراً كبيراً في تطوير اللغة الألمانية المعاصرة من خلال أعماله الشعرية والنثرية. وأشهر أعماله (فاوست) وهو عمل طور فيه غوته إحدى الملحمات الشعبية القديمة إلى عمل جديد عكس بها أفكاره الجمالية والفلسفية متأثراً بأفكار لعدة أدباء أهمهم الإنكليزي ويليام شكسبير.

ولا تزال الأفكار القائلة بأن غوته قد اعتنق الإسلام وأُعجب كثيراً بمبادئ الدين الإسلامي موضع خلاف بين المفكرين الألمان المسلمين منهم والمسـيحيين. ووفقاً للوثائق التاريخية فقد درس غوته السيرة النبوية بكاملها وقـواعد اللغة العربية والـشعر العربي ونظم جلسات لقراءة الـقرآن في أحد قصور الدوق الألماني، كما شـوهد وهو يشارك في صـلاة الجمعة من شهر كانون الثاني في عام 1814 مع مجموعة من الجنود الروس المسلمين التابعين لحكومة روسيا القيصرية آنذاك. وتشير الوثائق ذاتها والتحليلات لأعمال أمير الشعراء الألمان غوته وأفكاره إلى أنه كان معجباً بالإسلام ولاسيما شخصية النبي محمد(ص) وبالأفكار الإسلامية ذات الطابع الصوفي.

تقول أستاذة الأدب الألماني كاتارينا موفزن في كتابها (غوته والعالم العربي) أن كتاب (ألف ليلة وليلة) قد ترك أثراً عميقاً على غوته، الذي استمع إلى حكاياته وهو طفلاً وقرأها في سنواته الأخيرة بشغف كبير. ولم يكتف باستلهام الشكل الفني الحكائي فيها وإنما تأثر أيضاً بشخصياتها ومضامينها، ففي مسرحيته الأولى (نزوة العاشق) التي كتبها وهو في السابعة عشر من عمره، لم يكتفِ باسم (أمينة) من إحدى حكايات (ألف ليلة وليلة) وإنما مضمون وهدف القصة أيضاً.

وكان لقاء غوته مع المفكر الكبير هردر في ستراسبورغ سنة 1770 ذا أثر كبير على اهتمامه بالثقافة العربية إذ لفت هردر انتباه الشاعر الشاب إلى الشعر العربي وأسدى إليه النصح في التعمق بدراسة القرآن. وفي عام 1819 صدرت الطبعة الأولى من كتاب غوته (الديوان الشرقي الغربي) حيث كلف غوته المستشرق سنفستر دو ساسي ترجمة العنوان إلى اللغة العربية وليس إلى الفارسية، كما يشير البعض، وهكذا ظهر على غلاف الديوان العنوان التالي (الديوان الشرقي للمؤلف الغربي) إلى جانب العنوان باللغة الألمانية، كما ترجم دو ساسي، إلى العربية، الثيمة الشعرية التي كتبها غوته، وهي:" يا أيها الكاتب سر إلى سيدنا الأعز، فسلم عليه بهذه الورقة التي هي أول الكتاب وآخره، يعني في المشرق وآخره في المغرب". وفي عام 1819 اهتدى غوته إلى الشاعر الفارسي حافظ الشيرازي وأعجب بأشعاره كثيراً، كما قرأ لشعراء آخرين منهم؛ الفردوسي، وجلال الدين الرومي والسعدي، واهتم أيضاً بالشعر الجاهلي، وقرأ من شعراء الجاهلية: امرئ القيس وعنترة بن شداد وعمر بن كلثوم وطرفة بن العبد.

ويقول غوته في مذكراته التي كتبها عام 1817 إنه حاول دائباً تعلم (الخط الشرقي) الذي سحره بجماله وذلك لتجاوز العقبات اللغوية ولكي يقترب أيضاً من روح اللغة العربية. وقد قسم غوته ديوانه (الديوان الشرقي الغربي) إلى اثني عشر قسماً هي:" الشادي، حافظ، الحق، التأمل، الحزن، الحكمة، تيمور، زليخة، الساقي، الأمثال، الفارسي والفردوسي".

ومن أهم الأفكار التي توصل إليها غوته هي فكرة فساد الدنيا مقابل أبدية الله، ففي قسم الحكمة يظهر مدى احترام الشاعر للإسلام، إذ يقول:" يا لحماقة البشر عندما/ يصر كل منهم على رأيه/ إذا كان الإسلام معناه/ أن نسلم أمرنا لله فعلى/ الإسلام نعيش ونموت/ .. كلنا). وقد أدرك غوته أن موضوعات (الديوان الشرقي الغربي) غريبة على القارئ الألماني فألحق بالديوان فصلاً ضخماً يتضمن معلومات قيمة عن مواضيع الديوان وعن الشعر الفارسي والأدب العربي كي يفهم القارئ قصائده فهماً أفضل. هذا وقد قرأ الشاعر غوته القرآن الكريم مرات عديدة وأعجب به إعجاباً شديداً، إذ وصفه قائلاً:" تعاليم تفصيلية عن المرغوبات والمحظورات، وحكايات رائعة مستقاة من اليهودية والمسيحية يغلب عليها الإسهاب والاستطراد، وتكرار وإطناب لا حد لهما، هذه هي السمات الرئيسية للقرآن الذي يجعلنا ـ كلما قرأنا فيه ـ نشعر بالنفور في البداية ولكنه سرعان ما يجذبنا إليه، ثم يصيبنا بالدهشة، ولا يسعنا في النهاية إلا النظر إليه بإكبار وإجلال. وأسلوب القرآن ملائم تماماً لمضمونه وفرائضه: قوي بليغ، وفي بعض المواضع رفيع سام. لا عجب إذاً أن يكون للكتاب هذا التأثير العظيم".

أما عن المعلقات الجاهلية فهو يبدي إعجابه بها في رسالة كتبها لأحد أصدقائه سنة 1783 يخبره فيها عن ظهور الترجمة الإنكليزية للمعلقات. ويعلن عن نيته في ترجمة هذه القصائد إلى الألمانية بالاشتراك مع المفكر الألماني هردر، وفي العام ذاته أنجز غوته الترجمة الأولى لمعلقة امرئ القيس الشهيرة "قفا نبكِ.." وربما لم تكن معلقة امرئ القيس المذكورة هي القصيدة الوحيدة التي ترجمها غوته إلى اللغة الألمانية، إذ يقول:" لقد قمت بترجمة عدة قصائد من المعلقات فور ظهورها باللغة الإنكليزية". ويسمي غوته الأشعار الجاهلية بـ(الكنوز الرائعة) ويقول: إن هذه الأشعار توضح لنا مكانة الثقافة العالية التي كانت قبيلة قريش تنعم بها.

يختلف بعض المفكرين الألمان المسلمين والمسيحيين حول ما إذا كان غوته قد اعتنق الإسلام لإعجابه الكبير بمبادئ الدين الإسلامي. وقد راحت مؤخراً إحدى الجماعات الإسلامية الألمانية التي تطلق على نفسها مجموعة (فايمر) نسبة لمدينة فايمر الشرقية التي أطلقت منها المجموعة تدلل على اعتناق غوته الإسلام بعدة براهين وأدلة تاريخية من خلال تحليل أعماله الأدبية والفلسفية التي كتبها على امتداد حياته الطويلة. في حين أشار أحد المهتمين بأدب غوته أن ذلك ضرب من المبالغة وأن إعجابه بالإسلام لا يعني بالضرورة أنه قد اعتنقه. وقال رئيس مجموعة (فايمر) أبو بكر ريجر في حديث لوكالة (كونا/الكويتية): أن غوته كتب مجموعة أعمال شعرية وضح فيها إعجابه بالإسلام لا سيما بشخصية الرسول محمد(ص) وبالأفكار الإسلامية ذات المنحى الصوفي.

وأضاف ريجر ـ وهو مسلم أماني سمى نفسه بالحاج أبو بكر تيمناً بأول خلفاء المسلمين ـ أن غوته الذي يعد أكبر شاعر ألماني عرفه تاريخ ألمانيا، كان يسعى إلى تعلم اللغة العربية ليقترب من الإسلام، واهتم كثيراً بدراسة الاستشراق بغرض التعرف على هذه الثقافة التي يعد الإسلام ركيزتها الأساسية. وقال: إن غوته كان يحاول أن يكتب بالعربية بنفسه من خلال التمرين الذاتي أو شراء مجموعة من أعمال الخط العربي للرومي ولحافظ وغيرهما. كما درس السيرة النبوية بكاملها وقواعد اللغة العربية والشعر العربي ومجموعة مختارة من الأدب العربي، إضافة إلى دراسة أعمال المفكر الإسلامي حافظ من خلال كتابه الشهير (الديوان).

وأضاف بأن الأدلة التي تعكس موقف غوته من الإسلام أو من اعتناقه له هي أنه كان ينظم جلسات لقراءة القرآن الكريم في أحد قصور الدوق الألماني، وتبادله لوجهات النظر مع المستشرقين الألمان حول الإسلام. ووفقاً للوثائق التاريخية فإن غوته لم يُشاهد وهو يداوم الصلاة أو يصوم أو يحج بيت الله الحرام أو يؤدي الزكاة، غير أنه شارك في صلاة الجمعة في شهر يناير/كانون الثاني من عام 1814 في مسقط رأسه في مدينة فايمر وهو يصلي مع مجموعة من الجنود الروس المسلمين.

وأضاف ريجر: ان إعجاب غوته بالإسلام قد انعكس على أعماله الأدبية حيث تطغى عليها أفكار (الوحدة الإلهية) وهي جوهر الإسلام الذي اعتمد على الإيمان بفكرة المطلق وهو الله عز جلاله. وقد وصف غوته دعوة النبي محمد(ص) بأنها كنهر بدأ كجدول صغير ثم تدرج حجمه ليتحول إلى نهر كبير يحمل في طياته تعاليم جديدة للبشرية جمعاء. وأشار إلى أن غوته قد كتب عدة رسائل يوضح فيها إعجابه بالإسلام لا سيما مع أدباء وفلاسفة ألمان مثل الشاعر فريدريك شيلر أحد أكبر أدباء ألمانيا في تلك الحقبة.

وقال أيضاً: بأن غوته يعتقد ببعض الأفكار الإسلامية مثل فكرة (القَدر) وهي فكرة من جوهر الإسلام تعتمد على الإيمان بالقضاء والقدر وأن ليس هناك أي مجال للصدفة وأن كل شيء مكتوب. وذكر بأن (مجموعة فايمر الإسلامية) قد أصدرت حكماً بأن غوته اعتنق الإسلام وأنه كان مسلماً. وقال: أن غوته قد نطق الشهادتين وهذا يكفي وفقاً لمبادئ الإسلام، وأن غوته مسلماً بما تحمل الكلمة من معنى فقد ذكر أكثر من مرة الشهادتين في أعماله الأدبية وقد جاء ذلك بسبب اعتقاده وإيمانه بها. وأكد: بأن غـوته كان متشككاً ببعض أركان الدين المسيحي مـثل؛ رمز الصليب، وعُـرف عنه أنـه كان يـرفض رفضاً تاماً فـكرة الصـليب الـمسيحي.

ومن جانبها قالت البروفسورة آنا ماري شيمل، وهي متخصصة بالعلوم الإسلامية وأستاذة سابقة في جامعة بون حول حكم جماعة فايمر الإسلامية باعتناق غوته الإسلام لكون بعض المفكرين الألمان قد صدمتهم هذه فكرة إصدار حكم تاريخي يقضي باعتناق غوته الإسلام وفقاً لأدلة وبراهين تاريخية استساغتها هذه الجماعة الإسلامية لتصل لهدفها وهو أن غوته قد مات مسلماً.

وأضافت شيمل الحاصلة على جائزة السلام الألمانية: إن من هؤلاء المفكرين الذين وقفوا ضد هذه الفكرة هي العالمة كاترينا ممزين وهي باحثة متخصصة في شؤون أدب غوته وأنها رفضت بحزم فكرة اعتناقه للإسلام. وقالت: أن فكرة غوته ضد الصليب هي صحيحة ولكن موقفه من الدين المسيحي ككل لم يكن موقفاً سلبياً. وحول ولعه بجمع الأعمال الفنية الخاصة بالخطوط الإسلامية، قالت شيمل: إن هذه الأعمال كانت تعكس خطوطاً باللغة الفارسية وكان غوته يهواها من منطلق فني وجمالي وليس رغبة بتعلم الكتابة، كما أنها لم تكن خطوط عربية.

وقالت شيمل ـ وهي مؤلفة عدة كتب عن الإسلام أشهرها كتاب (محمد ونبوته)1981 وكتاب (الإسلام)1990 ـ إن غوته كان معجباً بالإسلام بصورة تتجاوز الرؤية المتعارف عليها عن الآلام في أوربا وفي ألماني إذ أن الإسلام كان بمثابة فكر جديد وغريب على الشعوب الأوربية.

وحول نطق غوته الشهادتين قالت شيمل إنها تعتقد بأن ذلك مبالغ فيه. مبينة أن ما كتبه غوته حول ذلك لا يعني بالضرورة أنه قد اعتنق الإسلام.. وأن كتابته بعض الأشعار حول الإسلام مثل قوله:" يكون المرء مسلماً عندما يُسخر حياته ومماته للإسلام" لا تعني بالضرورة أنه قد دخل الإسلام مبينة أن في إطار هذا البيت الشعري فإن الكل مسلم إذ أن الفكرة تعكس أن البشر تحت إمرة الله، وهي فكرة عامة تؤمن بها كل الأديان السماوية.

وأضافت: من الصعب أن نقول بأن غوته قد اعتنق الإسلام ولكن يمكننا أن نسمي غوته بـ(عبد الله) إي أنه خادم رب العالمين وهي مستساغة أكثر، إذ أن غوته كان وبلا شك متعاطف مع الإسلام.