العلامة الشيخ محمد الطاهر التليلي

وُلد الشيخ محمد الطاهر التليلي في بلدة قمار (إحدى بلدات وادي سُوف) سنة 1910م، كما أثبت ذلك بنفسه في دفتر سماه (هذه حياتي). وبعد عمر طويل في الكفاح ضد الجهل والفقر، توفي -رحمه الله- في آخر سنة 2003م، فيكون قد عاش 93 سنة، قضى منها أكثر من ستين سنة في التعليم والتأليف وإجابة السائلين والزائرين عن مسائل الفقه واللغة والتواريخ المحلية والقضايا الاجتماعية التي تطرأ على الناس في بيئة صحراوية نائية(1).

وبعد حفظه القرآن الكريم في أحد مساجد (قمار) وتتلمذه على بعض شيوخها في القراءات والمتون وحضوره دروسًا حرّة كان يلقيها بعض الأدباء أمثال محمد اللقاني أو دعاة الإصلاح أمثال عمار بن الأزعر، توجّه سنة 1927م إلى جامع الزيتونة في تونس وانخرط في سلك طلابه، وظل به إلى أن حصل منه على شهادة (التحصيل) بعد سبع سنوات من الدراسة المتوالية، وهي الشهادة التي تؤهل صاحبها للتعليم في المدارس وتولّي الوظائف الدينية والتربوية.
رجع الشيخ التليلي من تونس إلى بلدته (قمار) سنة 1934م، ولكنه لم يجد عملاً يعيش منه، لا سيما وقد تزوج، وكان عليه أن يعول عائلة ويستقل عن والده في تدبير رزقه. وقد ضاقت به الحال فاشتغل تارة فلاحًا وتارة تاجرًا، ولكن "كل ميسّر لما خلق له"، فلم يربح في الفلاحة كما لم ينجح في التجارة.
 واتصل برئيس جمعية العلماء(2) الشيخ عبدالحميد بن باديس(3)، زعيم الحركة الإصلاحية. وكانت الجمعية تقوم بالتعليم العربي الحر في مدارس حرة من تأسيس الشعب نفسه وتبرعاته، دون الاعتماد على تمويل الحكومة (الفرنسية). عيّنت الجمعية الشيخ التليلي معلِّمًا في إحدى قرى مدينة بجاية، ولكن الحاكم الفرنسي هناك طرده منها بدعوى عدم امتلاك رخصة رسمية للتعليم وأنه أجنبي على المنطقة. فعاد الشيخ إلى بلدته (قمار)، وبقي حبيس الفقر والبطالة، وزادت الحرب العالمية الثانية حاله سوءًا حين تقابلت جيوش الحلفاء والمحور في تونس وعلى الحدود الجزائرية الشرقية، فكانت منطقة (سُوف) مسرحًا لمعارك بين الطرفين، وحلّت الأمراض التي فتكت بالمئات من السكان، ولم تنجل هذه الغمة إلا بعد سنة 1945م. 
رغم التضييق الإداري على الشيخ التليلي باعتباره من تيار الإصلاح، فإن أهل (قمار) طلبوا منه أن يعلّم أولادهم في مدرسة أسسوها لهذا الغرض، وهي مدرسة النجاح الحرة التي بقي يديرها بنفسه ويعلّم فيها إلى استقلال الجزائر عن فرنسا عام 1962م. وخلال سنوات الفقر والبطالة والمرض، ثم سنوات التعليم، ومواجهة الإدارة الاستعمارية، وظروف ثورة التحرير الجزائرية (1954-1962م)، أنتج الشيخ التليلي مجموعة من المؤلفات والأشعار والتقاييد والفتاوى، نذكر منها هنا ما له صلة باللغة والأدب(4):
1- (زهرات لغوية من كتاب الألفاظ الكتابية) للهمذاني. 
2- (تجريد شعر مقامات الحريري). 
3- (مجموع الأمثال العامية في سُوف). 
4- (معجم الكلمات العامية الدارجة في الصحراء الجزائرية).
5- (تلخيص كتاب الأضداد) للمتوزي.
6- (شواهد الكلمات العامية) من اللغة العربية الفصحى. 
7- (قصة الشيخ العجوز) "نظم".
8- (الدموع السوداء) "ديوان شعر".
ويهمّنا في هذا المجال مؤلفاته اللغوية التالية: (الزهرات اللغوية)،
و(مجموع الأمثال العامية)، و(معجم الكلمات العامية)، و(شواهد الكلمات العامية):
وفي الخاتمة نقول إن الدفاتر التي أشرنا إليها تحتوي على سجلّ حافل بالكلمات والأمثال والأشعار العربية المشاعة الآن في الجنوب الجزائري، وفي منطقة وادي سُوف على وجه التحديد. ولا شك أنها تمثّل ذخيرة لغوية كبيرة لمن أراد المزيد من البحث في هذا الميدان.

 وسيجد الباحث هذه الكلمات ليس فقط في الحديث اليومي ولكن في الأمثال وفي الأشعار الدارجة أيضًا. وهي ثروة لغوية قد تتأثر بالاستعمالات الحديثة وباللغات الأجنبية الغازية عن طريق وسائل الإعلام، كما أن تفاعل السكان مع بعضهم وانتقال تجار وطلبة وموظفي أهل الجنوب إلى حواضر شمال البلاد، وكذلك العكس، قد يؤثر في هذا الرصيد اللغوي الذي ما تزال الصحراء تحتفظ به، وهو في جملته رصيد عربي أو ذو أصول عربية ما تزال تختزنه كتب التراث، كما رأينا في الأمثلة التي اقتبسناها.
 ومن ثمة فإن فضل الشيخ التليلي في الحفاظ على هذا الرصيد يستحق التقدير والتثمين؛ لأن التدوين هو خير وسيلة لحفظ تراث الأمّة.
تقاعد الشيخ التليلي من التعليم عام 1972م، ولازم بيته في قمار.
وفي أواخر السبعينات أدى فريضة الحج. وقد ترك عددًا من التلاميذ هم اليوم عدة الجزائر في مختلف المجالات، كما ترك ولدين وخمس بنات.
 




المرجع بتصرف : موقع مركز حمد الجاسر الثقافي  

هناك تعليق واحد

  1. ندعو لشيخنا بالرحمة والمغفرة وكل مشايخ المسلمين, وفعلا انه علم وترك وراءه من يعلم,نتمنى ان ينتهج خلفه منهجه, ونشكر كل من ساهم بالتعريف بالشيخ ومؤلفاته.

    ردحذف


EmoticonEmoticon